الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

دروس مستفادة من السيرة النبوية

إضافة تسمية توضيحية

.

دروس مستفادة من السيرة النبوية

.

(1)

.

الصحابي الجليل مصعب بن عمير يعمل على بناء قاعدة شعبية تؤمن بالإسلام وتحتشد من أجل نصرة الدعوة الإسلامية، يقول الدكتور عماد الدين خليل في كتابه “دراسة في السيرة”:

“ومرت أشهر وأشهر ومصعب يعمل في المدينة بهمة لا تعرف كللا ولا فتورا.. يتحرك بالقرآن، ويحرك أفئدة الناس هناك وعقولهم بالقرآن.. كانت آيات الله تملك في بنيتها المعجزة سحر الإقناع، وكان مصعب يزيدها سحرا في تلاوته إياها وسط حشود الناس التي كانت تجتمع، مبهورة الأنفاس من حوالي مصعب، في أزقة المدينة وطرقاتها، وهو يتلو آيات من القرآن.. وعندما اقترب موسم الحج من السنة الثانية عشرة للبعثة، غادر مصعب يثرب، يطير به الشوق للقاء رسوله وقائده. وفي مكة اجتمع به وعرض عليه نتائج مساعيه في يثرب، وأنه عما قريب سيلتقي الرسول بوفد كبير منهم تقرّ له عينه ويطمئن به باله” (ص 110، طبعة مؤسسة الرسالة).

****

لا بدّ للحركة الإسلامية المعاصرة من تكوين القواعد الشعبية التي تنصر الدعوة وتمضي بها لتحقيق أهدافها، ودون تحقيق هذا الهدف ستظل الدعوة تراوح مكانها في دياجير الاستضعاف. هذه القواعد ينبغي أن تنحاز إلى الدعوة من منطلق عقيدة التوحيد الراسخة، لا من منطلق المصالح المشتركة، ولا المكاسب الدنيوية الزائلة، كما تدلّ روايات البيعة الثانية إذ ابتدأت بـ “ألا يشركوا بالله شيئا”. هكذا كان يفعل مصعب بن عمير حين تولّى أمر نشر الدعوة وتهيئة أجواء المدينة لنصرتها، وهكذا فعل سيّد المرسلين عليه الصلاة والسلام قبله حين ربّى صحابته الكرام في مكّة، ثم التقى المهاجرون بالأنصار في المدينة، فتكوّنت لدى الدعوة “قاعدة صلبة” تشكل عمقا قياديا للقاعدة الشعبية الموسعة من سكان المدينة، تمضي بها إلى أهدافها، وتخرج بها من حالة “الاستضعاف” إلى حالة “التمكين”. والحركة المعاصرة ينبغي أن تتمسّك بهذا الدرس المنهجي، وهو في حقيقته سنة الله في الحياة البشرية، إذ لا يمكن القيام بعملية التمكين دون وجود قاعدة بشرية تشكّل “السند الاجتماعي” لهذا التمكين، وقد تحدّث ابن خلدون عن هذا المفهوم وسمّاه “العصبية” في مقدّمته، وعنون له بقوله “في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم”.

وهنا تحتاج الدعوة أن تنتهج كلّ الطرق المتاحة لها في الواقع في سبيل تحقيق هذه “القواعد الشعبية” التي تنصر قضيّتها الكبرى من منطلق عقيدة التوحيد، وعلى الدعوة أن تراعي اختلاف طبيعة المجتمع المعاصر بعمومه عن طبيعة المجتمعات القبلية التي كانت في عهد النبوة، فلا تكتفي بالدعوة الكلامية والتربية في حشد الناس وبناء القواعد الشعبية الناصرة لها، بل تقتنص الإمكانيات الحديثة وتراعي طبيعة “مجتمع المؤسسات”، فتتغلغل في المجتمع “المسلم” الجاهل بدينه من خلال مؤسسات تجذّر وجودها في المجتمع، وتعقد الصلة الوثيقة بالناس وعلاقاتهم المختلفة ومشكلاتهم وقضاياهم، وتدخل إليهم من هذا الباب لتبلّغهم دعوة التوحيد ومقتضياتها العديدة.

إنّ المجتمع القبلي كان يكفي فيه أن يلتقي الدعاة بالناس في مساكن القبيلة وفي أسواقها، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، وحيث تنتشر الدعوة بالجهود الفردية في الاتصال بالناس. ولكن المجتمع اليوم قد كبر وتضخم، والناس ما عادت تعرف بعضها، والجدّية في الالتزام بالمفاهيم بعد الاقتناع بها لم تعد موجودة بتلك الروعة التي كان عليها العرب في عهد النبوة، وتشعّب حياة الناس وعلاقاتهم، وتنوّع فئاتهم جعل من الضروري جدّا أن تعمل الدعوة على بناء المؤسسات ذات مجالات العمل المختلفة؛ لترسّخ انتشارها وتجذّرها في بنية المجتمع؛ حتى تصل يوما ما إلى قيادته بالارتكاز على مفاهيم التوحيد وصولا إلى أهداف التمكين الشرعي بإذن الله.

والله الموفق.

ليست هناك تعليقات: